جرائم “الشرف” ليست من الشرف

شكلت المرأة على الدوام منذ أدام وحواء عنواناً مستمراً ومتجدداً لولادة الحياة على هذه الأرض. وهي التي اصطفاها الله لتكون أماً ليسوع المسيح رسول المحبة والسلام الذي قال: “من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر” .

هي نفسها التي نعتبرها اليوم إنساناً قاصراً، فاقد الأهلية، بحاجة دائماً إلى وصي يدافع عنها، هي نفسها التي تتعرض اليوم أيضاً للذبح إن تزوجت بخلاف رغبة رجال قبيلتها، وهي التي تُسلط السيوف على عنقها إن هي تزوجت من غير ملتها، وويل لها إن أحبت،فالحب ممنوع عليها..!

ترى أية جريمة ارتكبتها تلك المرأة، حتى تعامل بتلك القسوة والوحشية؟ وأية قسوة أكبر من أن تسن القوانين التي تبيح قتل امرأة، وتعفي قاتلها من العقاب؟ ولماذا على المرأة دائماً أن تدمي إنسانيتها في كل لحظة من حياتها؟

أي مصير ينتظر هذا المجتمع الذي مازال يرزح تحت وطأة مفاهيم وعادات وقوانين تنتقص من كرامة المرأة، وتجعل سيف الرجل مسلطاً على عنقها متى شاء استله تحت ستار الشرف.!؟ وأي “شرف” هذا الذي يبيح قتل امرأة من قبل رجل، الذي لولا احتضانها له في رحمها تسعة أشهر لما خرج إلى الحياة.!؟

إن الشرف كلمة كبيرة واسعة بمعناها تختصر فيها كل معاني القيم الأخلاقية التي على المرء إن كان ذكراً أم أنثى أن يتحلى بها كالصدق والأمانة والاستقامة، والدفاع عن المرأة وليس الاعتداء عليها أو قتلها. فليس من الشرف بشيء أن نبيح للرجل قتل زوجته إن وجدها مع شخص أخر أو قتل أخته لمجرد أنها أحبت،
أو أنها تزوجت من خارج عشيرتها أو طائفتها ونعفيه من العقاب، بينما نعاقب المرأة التي تقتل زوجها إن هي ضبطته مع امرأة غيرها..!
ونسأل هنا، أليس للمرأة شرف.؟ أم أنه ملكية أبدية للرجل الذي حولها إن كان أخاً أو أبا أو زوجاً أو ربما كان قريباً إلى ما بعد الدرجة الرابعة؟ وهل شرف المرأة يقتصر على جسدها، أو على حركة مثيرة أو مريبة منها أو لمجرد الشك في سلوكها.؟ وهل يملك ذلك الرجل الذي يسرق أو يرتشي أو يروج للمخدرات بين أبناء وطنه شرفاً عندما يستل سيفه ليقطع عنق امرأة تحت ستار الدفاع عن شرفه.!؟

إن المفهوم المتأصل في ثقافتنا ووعينا الجمعي بكل أسف مازال يؤكد أن المرأة في مجتمعاتنا العربية ما هي وسيلة تفريغ جنسي وإنجاب الأولاد، وهي المشتهاة دائماً، والعشيقة الخائنة. وتأتي التشريعات القانونية لتنتقص من حق المرأة أيضاً المنتهكة حقوقها أصلاً، وذلك في انحياز تطبيق تلك القوانين لصالح الرجل ضد المرأة كما في نص المادة 548 من قانون العقوبات السوري التي نصت : (1- يستفيد من العذر الحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد.2- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فرعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر).ولابد أن نشير هنا إلى أن نص المادة المذكور مأخوذ عن التشريع الفرنسي، وقد جاء في الرأي الفقهي لشرح المادة المكورة الوارد في موسوعة قانون العقوبات السوري لمحمد أديب استانبولي الصفحة 348 ” إن كلمة الزوج هي ترجمة لكلمة conjoint الفرنسية والتي تقبل التأنيث والتذكير، وتطلق لغوياً على البعل وامرأته، ومن المحتمل أن تفاجأ الزوجة زوجها وهو في جرم الزنا المشهود، فنعتقد أنها لاتقل شعوراً بالسورة والغضب والغيرة والانفعال عن الزوج الذي يفاجأ بزوجته وهي في وضع مماثل، لذلك من العدل وكلمة حق تقال يجب أن يكون كلاهما على صعيد واحد من المساواة أمام القانون في هذا الصدد ). وندعو هنا إلغاء تلك المادة المعيبة فعلاً.

ونؤكد أخيراً أننا لسنا مع الفجور أو الابتذال الأخلاقي بالتأكيد، ولكننا مع حفظ الكرامة الإنسانية للرجل والمرأة معاً وصون شرفهما الإنساني في إطار من الاحترام المتبادل والعدالة الإنسانية دون تمييز أو تحييز على نحو ما جاء في الدستور والعهود والمواثيق الدولية وفي مقدمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي احتفلنا في العاشر من هذا الشهر بمرور تسعة وخمسين عاماً على صدوره، والذى أكد في مادته الأولى : ( يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء)، والذي أكد أيضاً في مادته الثانية: ” لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء
Geplaatst in Uncategorized.